[b][i]( الحسد " شماعة " الخائبين )
قال تعالى في كتابه العزيز ..
بسم الله الرحمن الرحيم
قل اعوذ برب الفلق* من شر ماخلق* ومن شر غاسق اذا وقب* ومن شر النفاثات في العقد* ومن شر حاسد اذا حسد*
يتكل الكثيرون على الحسد، ويبررون كل أخطائهم وخسائرهم ، ويعلقونها على شماعة الحسد.
وقد يتقاعسون عن مهامهم ؛ وعندما يستحثهم أحد يتحججون بالحسد،
فهل يبالغون أم أنهم على حق ..؟
الأصل ألا يجعل المسلم من الحسد والحُساد عقبة في طريقه ، بل يتجاهل كل هذا ، ويعتمد على الله ، ويستعيذ بالله ، من شر الحسد والحاسدين ، ويأخذ بأسباب الانفراج ، ويجتهد في إزاحة ما نزل به من ضر ..
ولكن
في الوقت ذاته ؛ فإن الحسد بالعين حقيقة واقعة ،
ففي الحديث
" العين حقٌّ ، ولو كان شيء سابَقَ القَدَرَ لسبقتْه العين"
ما الحسد ..؟
الحسد هو تَمَنِّي زوال نعمة الغَيْر، سواء تَمَنَّى الحاسد تَحَوُّل هذه النعمة إليه دون المحسود ، أو لم يَتَمَنَّ ذلك ،
وليس الحسد قاصرًا على ذلك ،
بل من الحسد فرح المرء لزوال النعمة عن غيره، أو إصابته بمصيبة،
أو حزنه لحصول غيره على نعمة وخير ،
وذلك حسد مذموم ؛
إذ وَصَفَ الله تعالى الكافرين به بقوله :
{ إنْ تَمْسَسْكُمْ حسنةٌ تَسُؤْهُمْ وإنْ تُصِبْكُمْ سيئةٌ يَفْرَحوا بها }
أو حرصه على ألا يصل الخير إلى الغير، أو تَمَنِّيه ألا يصل إليه ،
وهذا حسد مذموم كذلك ؛
لأن تمني عدم حصول النعمة مساوٍ لتمني زوالها بعد حصولها ..
والحسد من أفعال القلوب ؛
لأنه مجرد تمني زوال النعمة عَمَّن حدثت له ، أو عدم حصوله عليها ، أو الفرح لزوالها عنه ، أو الحزن لحصوله عليها ، أو الحرص القلبي على عدم حصوله عليها، وكل هذه من أفعال القلوب..!
والحسد يأكل الحسنات؛ كما تأكل النار الخطب ..
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" الحسد يأكل الحسناتِ كما تأكل النارُ الحطب "
ورُوِيَ عن معاوية بن حيدة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم - قال : " الحسد يُفْسِد الإيمان كما يُفْسِد الصبرُ العسلَ "
ويختلف الحسد - بهذا المفهوم - عن الغِبْطَة ، رغم اشتراكهما في أن الحاسد والغابط ينظر كلٌّ منهما إلى ما عند الغير من نعمة ..
فإن الغبطة :
هي تَمَنِّي المرء أن يكون له مثل ما لغيره من غير أنْ يَتَمَنَّى زوالَه عن الغير ، والحرص على هذا يُسمَّى منافسة ، فإن كانت في الخير فهي محمودة ، وإن كانت في الشر فهي مذمومة .. وقد يُطلَق الحسد على الغِبْطة مجازًا ،
كما في حديث ابن مسعود عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " لا حَسَدَ إلا في اثنتين : رجل آتاه الله مالاً ، فسَلَّطَه على هَلَكَته في الحق ، ورجل آتاه الله الحكمة فهو يَقْضي بها ويُعَلِّمها "
فالحسد في الحديث يُراد به الغِبْطة ؛
لأن كلا من الرجلين تمنَّى لنفسه مثل ما عند الآخر ، ولم يتمنَّ زوالَ النعمة عنه ..
نعم الله موزعة
الحسد يأكل الحسنات ويصيب الآخرين بالأزمات ومما ينبغي اعتقاده أن الله سبحانه وتعالى لم يجمع النِّعَم الدنيوية عند أحد من خَلْقه ، فقد يُعطى المرءُ مالاً وولدًا ، ويُحرَم الصحة ، أو يُعطى مالاً وصحة ، ويُحرَم الولد ، أو يُعطى الصحة والولد ، ويُحرم المال ، أو يُعطى كل ذلك ويُحْرم نعمة الاستقرار أو نعمة السعادة أو نعمة الشعور بالأمن .. فإن مَن أُعْطِي نعمة أو أكثر حُرِمَ ما سواها ، وأولى بمَن حُرِمَ بعض النِّعَم ألا ينظر إلى ما أنعم الله به على غيره مما حُرِمَ منه ؛ حتى لا يصل به الحال إلى عدم شكر الله تعالى على ما أنعم به عليه ، أو تَمَنِّي زوال هذه النعمة عن الغير ، أو تمنِّي تحولها إليه دون غيره ..
يقول الله تعالى :
{ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ }
[البقرة: 214]
( والوقاية من الحسد )
والمؤمن معرَّض لأنْ يَحْسُده إنسان آخر، وما عليه إلا أن يتحصَّن بقوة الإيمان بالله ، والثقة به ،
وقراءة القرآن وبخاصَّة آية الكرسي ،
وأواخر سورة البقرة وسورة يس ،
ويدعو الله أن يَقِيَهُ شرَّ الحاسدين
ويقرأ أيضا : " قل هو الله أحد "
وقل أعوذ بربِّ الفلق ، وقل أعوذ برب الناس"
فهذه السور هامة في هذا المجال ..
قال الله تعالى :
( كُلُّ الْعَدَاوَةِ قَدْ تُرْجَى إزَالَتُهَا ** إِلاَّ عَدَاوَةَ مَنْ عَادَاكَ عَنْ حَسَدِ )
واللهم أبعد عنا الحسد والحاسدين ..
اللهم آمين يارب العالمين ..
م / ن للآستفاده [/i][/